فصل: تفسير الآيات (67- 79):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج ابن أبي حاتم، والطبراني، وأبو القاسم البغوي، وابن مردويه، وابن عساكر عن زيد بن أبي أوفى قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا هذه الآية: {إِخْوَانًا على سُرُرٍ متقابلين} قال: «المتحابون في الله في الجنة ينظر بعضهم إلى بعض» وأخرج ابن أبي حاتم عن السديّ في قوله: {لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ} قال: المشقة والأذى.
وأخرج ابن جرير، وابن مردويه من طريق عطاء بن أبي رباح عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اطلع علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الباب الذي يدخل منه بنو شيبة فقال: ألا أراكم تضحكون؟ ثم أدبر، حتى إذا كان عند الحجر رجع القهقري، فقال: إني لما خرجت جاء جبريل فقال: يا محمد، إن الله- عزّ وجلّ- يقول: لمَ تقنط عبادي؟ {نَبّىء عِبَادِى أَنّى أَنَا الغفور الرحيم * وَأَنَّ عَذَابِى هُوَ العذاب الأليم}».
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مصعب بن ثابت قال: «مرّ النبي صلى الله عليه وسلم على ناس من أصحابه يضحكون فقال: اذكروا الجنة، واذكروا النار»، فنزلت: {نَبّىء عِبَادِى أَنّى أَنَا الغفور الرحيم}.
وأخرج الطبراني، والبزار، وابن مردويه عن عبد الله بن الزبير، قال: مرّ النبي صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه.
وأخرج البخاري، ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة، فأمسك عنده تسعة وتسعين رحمة، وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة، فلو يعلم الكافر كل الذي عند الله من رحمته، لم ييأس من الرحمة، ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله من العذاب، لم يأمن من النار» وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة {قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ} لا تخف.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السديّ {مّنَ القانطين} قال: الآيسين.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة {إِنَّهَا لَمِنَ الغابرين} يعني: الباقين في عذاب الله.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ} قال: أنكرهم لوط، وفي قوله: {بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ} قال: بعذاب قوم لوط.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة {بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ} قال: يشكون.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، عن قتادة في قوله: {واتبع أدبارهم} قال: أمر أن يكون خلف أهله يتبع أدبارهم في آخرهم إذا مشوا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السديّ {وامضوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} قال: أخرجهم الله إلى الشام.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن زيد {وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ الأمر} قال: أوحيناه إليه.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاء مَقْطُوعٌ} يعني: استئصالهم وهلاكهم. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله تعالى: {إِلاَّ آلَ لُوطٍ}: فيه أوجهٌ:
أحدُها: أنه مستثنى متصلٌ على أنه مستثنى من الضميرِ المستكنِّ في {مجرمين} بمعنى: أَجْرَموا كلُّهم إلا آلَ لوطٍ فإنهم لم يُجْرِموا، ويكونُ قوله: {إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ} استئنافَ إخبارٍ بنجاتهم لكونِهم لم يُجْرِموا، ويكون الإِرسالُ حينئذ شاملًا للمجرمين ولآلِ لوط، لإِهلاكِ أولئك، وإنجاءِ هؤلاء.
والثاني: أنه استثناءٌ منقطع؛ لأنَّ آل لوط لم يَنْدَرجوا في المجرمين البتَة. قال الشيخ: وإذا كان استثناءً منقطعًا فهو ممِّا يجبُ فيه النصبُ، لأنه من الاستثناءِ الذي لا يمكن تَوَجُّه العاملِ إلى المستثنى فيه؛ لأنهم لم يُرْسَلوا إليهم، إنما أُرْسِلوا إلى القوم المجرمين خاصةً، ويكون قوله: {إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ} جَرَى مجرى خبرِ لكن في اتصالِه بآلِ لوطٍ، لأنَّ المعنى: لكن آل لوطٍ مُنَجُّوهم، وقد زعم بعض النحويين في الاستثناءِ المنقطعِ المقدَّرِ بـ: لكن إذا لم يكن بعده ما يَصِحُّ أن يكونَ خبرًا أنَّ الخبرَ محذوفٌ، وأنه في موضعِ رفعٍ لجريان إلا وتقديرها بـ: لكن.
قلت: وفيه نظرٌ؛ لأنَّ قولَهم: لا يتوجَّه عليه العاملُ، أي: لا يمكن، نحو: ضحك القومُ إلا حمارَهم، وصَهِلَت الخيلُ إلا الإِبلَ، وأمَّا هذا فيمكن الإِرسالُ إليهم مِنْ غيرِ مَنْعٍ، وأمَّا قولُه لأنهم لم يُرْسَلُوا إليهم. فصحيحٌ لأنَّ حكمَ الاستثناءِ كلِّه هكذا، وهو أن يكونَ خارجًا عن ما حُكِم به الأولِ، لكنه لو تَسَلَّط عليه لَصَحَّ ذلك، بخلافِ ما ذكرْتُه مِنْ أمثلتِهم.
قوله تعالى: {إِلاَّ امرأته}: فيه وجهان: أحدُهما: أنه استثناءٌ مِنْ آل لوط. قال أبو البقاء: والاستثناءُ إذا جاء بعد الاستثناءِ كان الاستثناءُ الثاني مضافًا إلى المبتدأ كقولِك: له عندي عشرةٌ إلا أربعةً إلا درهمًا. فإنَّ الدرهمَ يُستثنى من الأربعة، فهو مضافٌ إلى العشرة، فكأنك قلت: أحد عشر إلا أربعةً، أو عشرة إلا ثلاثةً.
الثاني: أنَّها مستثناةٌ من الضمير المجرور في {مُنجُّوهم}، وقد مَنَعَ الزمخشريُّ الوجهَ الأول، وعَيَّن الثاني فقال: فإن قلتَ: فقوله: {إلا امرأته} مِمَّ استثني؟ وهل هو استثناءٌ مِنْ استثناءٍ؟ قلت: مستثنى من الضمير المجرور في قوله: {لمنجُّوهُمْ} وليس من الاستثناء من الاستثناء في شيءٍ؛ لأنَّ الاستثناءَ من الاستثناء إنما يكونُ فيما اتَّحد الحكمُ فيه، وأن يقالَ: أهلكناهم إلا آلَ لوطٍ إلا امرأتَه، كما اتحد في قولِ المُطْلَق: أنتِ طالقٌ ثلاثًا إلا اثنتين إلا واحدةً، وقولِ المُقِرِّ لفلان: عليَّ عشرةٌ إلا ثلاثةً إلا درهمًا، وأمَّا الآيةُ فقد اختلف الحكمان لأنَّ {إِلاَّ آلَ لُوطٍ} متعلقٌ بـ {أَرْسَلْنا} أو بمجرمين، و{إِلاَّ امرأته} قد تعلَّق بقوله: {لمنجُّوهم} فأنَّى يكون استثناءً من استثناء؟
قال الشيخ: ولمَّا استسلف الزمخشريُّ أن {امرأته} استثناءٌ من الضمير في {لمنجُّوهم} أنى أن يكون استثناءً من استثناء؟ ومَنْ قال إنه استثناءٌ من استثناء فيمكن تصحيحُ قولِه بأحدِ وجهين، أحدُهما: أنَّه لمَّا كان {امرأتَه} مستثنى من الضمير في {لمُنجُّوهم} وهو عائدٌ على آلِ لوط صار كأنه مستثنى مِن آلِ لوط، لأنَّ المضمرَ هو الظاهر، والوجهُ الآخر: أن قوله: {إِلاَّ آلَ لُوطٍ} لمَّا حَكَمَ عليهم بغيرِ الحكم الذي حَكَم به على قومٍ مجرمين اقتضى ذلك نجاتَهم فجاء قولُه: {إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ} تاكيدًا لمعنى الاستثناء، إذ المعنى: إلا آلَ لوط لم يُرْسَلْ إليهم بالعذاب، ونجاتُهم مترتبةٌ على عدمِ الإِرسال إليهم بالعذاب، فصار نظيرَ قولِك: قام القومُ إلا زيدًا لم يَقُمْ، أو إلا زيدًا فإنه لم يَقُمْ، فهذه الجملةُ تأكيدٌ لِما تَضَمَّن الاستثناءُ من الحكم على ما بعد إلاّ بضدِّ الحكم السابق على المستثنى منه، فـ: {إلا امرأته} على هذا التقريرِ الذي قَرَّرْناه مستثنى مِنْ آل لوط، لأنَّ الاستثناءَ ممَّا جيء به للتأسيسِ أَوْلَى من الاستثناءِ ممَّا جِيْءَ به للتأكيد.
وقرأ الأخوان {لمُنَجُوْهم} مخفَّفًا، وكذلك خَفَّفا أيضًا فِعْلَ هذه الصفةِ في قوله تعالى في العنكبوت: {لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ} [الآية: 32]، وكذلك خَفَّفا أيضًا قولَه فيها: {إِنَّا مُنَجُّوكَ} [الآية: 33]. فهما جاريان على سَنَنٍ واحد.
وقد وافقهما ابنُ كثير وأبو بكر على تخفيف {مُنْجوك} كأنهما جمعا بين اللغتين، وباقي السبعة بتشديد الكلِّ، والتخفيفُ والتشديدُ لغتان مشهورتان مِنْ نَجَّى وأَنْجَى كأَنْزَلَ ونَزَّل، وقد نُطِقَ بفعلهما قال: {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ} [العنكبوت: 65]، وفي موضعٍ آخرَ {أَنجَاهُمْ} [يونس: 23].
قوله: {قَدَّرْناها} أبو بكر بتخفيف الدال، والباقون بتشديدها، وهما لغتان: قَدَرَ وقدَّر، وهذا الخلافُ أيضًا جارٍ في سورة النمل.
قوله: {إنَّها} كُسِرتْ من أجلِ اللامِ في خبرها وهي معلِّقةٌ لِما قبلها، لأنَّ فِعْلَ التقديرِ يُعَلَّقُ إجراءً له مُجْرى العِلْم: إمَّا لكونِه بمعناه، وإمَّا لأنَّه مترتِّبٌ عليه. قال الزمخشري: فإن قلتَ لِمَ جاز تعليقُ فِعْلِ التقدير في قوله: {قَدَّرْنَا إِنَّهَا}، والتعليق مِنْ خصائصِ أفعالِ القلوب؟ قلت: لتضمُّنِ فِعْلِ التقدير معنى العِلْمِ. قال الشيخ: وكُسِرَتْ {إنها} إجراءً لفعل التقدير مُجْرى العِلْم. قلت: وهذا لا يَصِحُّ علةً لكسرِها، إنما يَصْلُحُ علةً لتعليقِها الفعلَ قبلها، والعلةُ في كسرِها ما قَدَّمْتُه في وجودِ اللامِ ولولاها لفُتِحَتْ.
{قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (63)}
قوله تعالى: {بَلْ جِئْنَاكَ} إضرابٌ عن المفعول المحذوفِ تقديرُه: ما جئناك بما يُنْكَرُ، بل جِئْناك.
{فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (65)}
وقد تقدَّم الخلافُ في قوله تعالى: {فَأَسْرِ}: قطعًا ووصلًا في هود، وقرأ اليمانيُّ فيما نقل ابن عطية وصاحب اللوامح {فَسِرْ} من السَّيْر، وقرأت فرقةٌ {بقِطَع} بفتح الطاء، وقد تَقَدَّم في يونس: أن الكسائيَّ وابنَ كثير قرآه بالسكون في قوله: {قطعًا}، والباقون بالفتح.
قوله: {حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} {حيث} على بابِها مِنْ كونِها ظرفَ مكانٍ مبهمٍ، ولإِبهامها تعدَّى إليها الفعلُ من غير واسطة على أنه قد جاء في الشعر تَعَدِّيْه إليها بـ: في كقولِه:
فَأصْبَحَ في حيثُ التقَيْنا شريدُهُمْ ** طَليقٌ ومكتوفُ اليدين ومُزْعِفُ

وزعم بعضُهم أنها هنا ظرفُ زمانٍ، مستدلًا بقوله: {بقِطْعٍ من الليل}، ثم قال: {وامضوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ}، أي: في ذلك الزمان، وهو ضعيفٌ، ولو كان كما قال لكان التركيبُ: حيث أُمِرْتم، على أنه لو جاء التركيب كذا لم يكن فيه دلالةٌ.
{وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (66)}
قوله تعالى: {وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ} ضَمَّن القضاءَ معنى الإِيحاء، فلذلك تَعَدَّى تعديتَه بـ: إلى، ومثلُه: {وَقَضَيْنَآ إلى بَنِي إسرائيل} [الإِسراء: 4].
قوله: {ذَلِكَ الأمر} {ذلك} مفعولُ القضاء، والإِشارةُ به إلى ما وَعَدَ من إهلاكِ قومِه، و{الأمرَ}: إمَّا بدلٌ منه أو عطفُ بيانٍ له.
قوله: {أَنَّ دَابِرَ} العامَّةُ على فتحِ {أنَّ} وفيها أوجهٌ، أحدُها: أنها بدلٌ مِنْ {ذلك} إذا قلنا: {الأمر} عطفُ بيان. الثاني: أنها بدل من {الأمر} سواء قلنا: إنها بيانٌ أو بدل ممَّا قبلَه، والثالث: أنه على حَذْفِ الجارِّ، أي: بأنَّ دابِرَ، ففيه الخلافُ المشهور.
وقرأ زيدُ بن علي بكسرِها؛ لأنه بمعنى القولِ، أو على إضمار القول، وعَلَّله الشيخُ بأنَّه لمَّا عَلَّق ما هو بمعنى العلم كُسِر، وفيه النظرُ المتقدم.
قوله: {مُّصْبِحِينَ} حالٌ من الضمير المستتر في {مقطوعٌ} وإنما جُمِع حَمْلًا على المعنى، وجعله الفراء وأبو عبيد خبرًا لـ: كان مضمرة، قالا: وتقديره: إذا كانوا مُصْبِحين نحو: أنتَ ماشيًا أحسنُ منك راكبًا، وهو تكلُّفٌ، و{مُصْبِحين} داخلين في الصَّباح فهي تامَّةٌ. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57)}
قال ما شأنكم؟ وإلى أين قصدكم؟
قالوا: أُرْسِلْنا لعذاب قوم لوط، ولننجيَ أهله إلا امرأته لمشاركتها معهم في الفساد، وكانت تدل على أضيافه، فاستوجبت العقوبة.
فلمَّا وافى المرسلون من آل لوطٍ أنكرهم لأنه لم يجدهم على صورة البشر، وتفرَّس فيهم على الجملة أنهم جاءوا لأمر عظيم، قالوا: بل جئناك بما كان قومك يَشُكُّونَ فيه مِنْ تعذيبنا إياهم، وآتيناك بالحق، أي بالحكم الحق.
قوله جلّ ذكره: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقْطِعٍ مِّنَ الَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ}.
فأَسْرِ بأهلك بعدما يمضي شيءٌ من الليل، وامش خلفهم، وقدَّمهم عليك، واتبع أدبارهم، ولا يلتفت منكم أحد لئلا يَرَوْا ما ينزل بقومهم من العذاب، وإنا ننقذك وأهلَكَ إلا امرأَتَك، فإنا نعذبها بمشاركتها مع قومك في العصيان. {وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} فلكم السلام ولقومكم العقوبة.
{وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ} أي عَلَّمْناه وعَرَّفْناه: {أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ}؛ أي أنهم مُهْلَكون ومُسْتَأْصَلُون بالعقوبة.
ثم لما نزل الملائكةُ بلوط عليه السلام قال لقومه إن هؤلاء أضيافي، فلا تتعرضوا لهم فتفضحوني، واتقوا اللَّهَ، وذروا مخالفة أمره ولا تخْجِلوني. فقال قومه: ألم نَنْهَكَ عن أن تحمي أحدًا، وأمرناك ألا تمنعَ مِنَّا أحدًا؟ فقال: هؤلاء بناتي يعني نساء أمتي، وقال قومٌ: أراد بناتِه من صلبه، عَرَضهن عليهم لئلا يُلِمُّوا بتلك الغلطة الفحشاء، فلم تنجع فيهم نصيحة، ولم يُقْلِعوا عن خبيثِ قَصْدِهم.
فأخبره الملائكة ألا يخافَ عليهم، وسكنوا من رَوْعه حين أخبروه بحقيقة أمرهم، وأنهم إنما أرسلوا للعقوبة. اهـ.

.تفسير الآيات (67- 79):

قوله تعالى: {وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67) قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ (68) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ (69) قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ (70) قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (71) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75) وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (77) وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ (78) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ (79)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
فلما تم ما دار بينه وبين الرسل مقدمًا لما بيّن، أتبعه البيان عن حال قومه إشارة إلى أن الملائكة إن كانوا بصفات البشر لم يعرفهم الكفرة، وإن كانوا بصفاتهم أو بإظهار شيء من خوارقهم لم تحتمله قواهم، فلا نفع لهم في مكاشفتهم في حالة من الحالات، فسؤالهم الإتيان بهم جهل عظيم، فقال تعالى: {وجاء أهل المدينة} أي التي كان هذا الأمر فيها- قالوا: وهي سدوم- لإرادة عمل الفاحشة بالأضياف {يستبشرون} أي يلوح على بشراتهم السرور، فهم يوجدونه لأنفسهم إيجاد من هو شديد الرغبة في طلبه، فكان حال لوط عليه السلام أن {قال} لهم: {إن هؤلاء} أي الأقرباء مني {ضيفي}.
ولما كان إكرام الضيف إكرامًا لمن هو عنده وإهانته إهانته، سبب عن ذلك ما أشار إليه الكلام فقال: {فلا تفضحون} في إصابتهم بفاحشة، وكان ذلك قبل معرفته أنهم ملائكة {واتقوا الله} أي الذي له جميع العظمة {ولا تخزون} أي بإهانة ضيفي، فيكون ذلك عارًا عليّ مدى الدهر، فلم يكفهم ذلك بل {قالوا} بفظاظة، عاطفين على ما تقديره: ألم تعلم أنا لا نترك هذا الأمر لشيء من الأسباب: {أو لم ننهك} أي من قبل هذا {عن العالمين} أن تجير علينا أحدًا منهم، فما وصلوا إلى هذا الحد من الوقاحة، ذكر لهم الحريم ليحملهم ذلك على الحياء، لأنه دأب من له أدنى مروءة ولاسيما ذكر الأبكار في سياق يكاد يصرح بمراده، بأن {قال هؤلاء} مشيرًا إلى بيته الذي فيه بناته- صلى الله عليه وسلم- ورضي عنهن {بناتي إن كنتم} ولابد {فاعلين} أي قد عزمتم عزمًا ماضيًا على هذا الفعل، إشارة بأداة الشك إلى أن هذا الفعل مما لا ينبغي أن يفعل، يعني وأنتم عالمون بأني لا أسلم بناتي أبدًا، فعلم من ذلك أن وصولكم إلى أضيافي دون هلاكي محال.
ولما ذكر ما ذكر من أمورهم وعظيم فجورهم، وهم قد فرغ من أمرهم وقضي باستئصالهم، كان كل من يعلم ذلك قاضيًا بأنهم لا عقول لهم، فأتبع سبحانه ذلك ما يدل عليه بقوله: {لعمرك} أي وحياتك يا كريم الشمائل، وأكد لأن الحال قاض في ذلك الحين استبعاد ردهم، ولتحقيق أن ذلك ضلال منهم صرف وتعنت محض، فقال: {إنهم لفي سكرتهم} أي غوايتهم الجاهلية {يعمهون} أي يتحيرون ولا يبصرون طريق الرشد، فلذلك لا يقبلون قول النصوح، فإن كان المخاطب لوطًا عليه السلام، كان ضمير الغيبة لقومه، وإن كان المخاطب نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وهو الظاهر- كان الضمير لقومه، وكان التقدير أنهم في خبط بعيد عن السنن في طلبهم إتيان الملائكة كما كان قوم لوط عليه السلام يقصدون الالتذاذ بالفاحشة بمن مكن من هلاكهم، فشتان ما بين القصدين! وهيهات لما بين الفعلين! فصار المعنى أن ما قذفوك به أول السورة بهم لابك، لأن من يطلب إتيان الملائكة- مع جواز أن يكون حاله حال قوم لوط عليه السلام عند إتيانهم- هو المجنون؛ والعمر- بالفتح: العمر- بالضم، وهو مدة بقاء الشيء حيًّا، لكنه لا يقال في القسم إلا بالفتح لخفته مع كثرة دور القسم، ولذلك حذفوا الذي تقديره: قسمي، والسكرة: غمور السهو للنفس.
ولما تم ذلك، سبب عن القضاء دابرهم قوله تعالى: {فأخذتهم} أي أخذ انتقام وغلبة {الصيحة} أي التي هي لعظمها وهولها هي الصيحة، وغيرها عدم بالنسبة إليها؛ والأخذ: فعل يصير به الشيء في جهة الفاعل، والصيحة: صوت يخرج من الفم بشدة؛ وقوله: {مشرقين} أي داخلين في الإشراق، وهو ضياء الشمس عند بزوغها، وتبين به أن وقته يسمى صبحًا لغة، فإن الصبح والصبّاح والإصباح أول النهار، ولعله يطلق عليه إلى وقت الغداء أو الزوال، أو تكون الصيحة وقت الإشراق آخر أمرهم، وقلع المدائن من أماكنها وقت الصبح ابتداء أمرهم؛ ثم بين سبحانه ما تسبب عن الصيحة متعقبًا لها فقال: {فجعلنا عاليها} أي مدائنهم {سافلها وأمطرنا}.